Breaking

Home Top Ad

Post Top Ad

السبت، 26 أبريل 2025

قصة قصيرة بقلم الرئيس أنور السادات رحمه الله

 


رؤيتي : قصة قصيرة بقلم الرئيس أنور السادات رحمه الله
رغم أنى مواليد قرية ميت أبو الكوم وبلديات السادات الرئيس المؤمن رحمه الله وتربيت على حبه بعد أن اثبت التاريخ عبقريته وذكائه السياسي في إدارة شئون مصر رغم اعتراض البعض على جزء من توجهاته إلا أن كل ما يحدث الآن يثبت انه كان على حق وانه فعلا قد سبق عصره ووعي المستقبل وعمل واهتم وبذل حياته فداء لمصر كان يتمع بحس الفهم والنظر للمستقبل وشملت مواهبه الكثير من القراءة للكتابة الأدبية والعمل الصحفي وتعلم اللغات الأجنبية واهم طبعا من كل ذلك ذكائه السياسي الخارق وبصيرته في فهم الأخر مع حفظه
للقرآن الكريم وتسجيل آياته بصوته ومن بين كل ذلك قد علمت من احد الأساتذة المثقفين بأن السادات الرئيس السياسي لمصر قد ألف ونشر قصة قصيرة عام 1954 م بجريدة المصور يصور فيه لمحة من حياة القرية المصرية في عصر الفقر ناقلا لنا مشهد سينمائي تستطيع وأنت تقرأ القصة أن تتخيل بالضبط أحداث وأشكال وأركان هذه القصة كما لو كنت احد أطرافها أو ممن عاشوا أحداثها ولكوني مهتم بكتابة القصة القصيرة وأحاول تجويد كتاباتي وترقيتها فقد أعجبت كثيرا بهذه القصة التي أثبتت لي أني اكتب في خط ولون من ألوان القصة له هدف ودور سيحسه ويشعر به من تربى وعاش ولو فترة قصيرة داخل الحياة الريفية الجميلة التي أخرجت لنا العظماء في كل المجالات وأترككم مع قصة ليلة خسرها الشيطان بقلم أنور السادات رئيس الجمهورية السابق
أخذ قرص الشمس يهبط رويدا رويدا ، فتناثرت من تحته ظلال رمادية راحت تغمر سماء القرية "العابدية" معلنة غروبا جديدا وهذه سنة الله ... فلا بد أن يسير الكون مابين شروق وغروب ونور وظلام نحو النهاية التي أرادها له خالقه القادر القوى الرحمن... وموكب الغروب في القرية مهرجان رائع يتكرر كل يوم فبينما تزدحم الطرق الزراعية بجمع العائدين من كفاح اليوم الطويل في الأرض الطيبة رجالا وعددا وماشية وأنعاما .. نرى القرية وقد اكتست بدخان داكن يتعالى في هدوء السماء فوجبة الطعام الرئيسية لا بد أن تكون في استقبال الرواد العائدين ، شهية بقدر ما عانوا وبقدر ما يسمح به دخل البيت ومهارة سيدته شريكة الكفاح ...وحالما ينتهي الزحام على الطرقات يبدأ زحام من لون جديد على المساقى والطلمبات ، فإن أحدا من هؤلاء الرواد لن يأوي إلى عشه من غير أن يطمئن إلى سقاية ماشيته وأنعامه ... وفى هذا اليوم وقف (خضر) من خلف سور ذلك القصر الأنيق يرقب كعادته موكب السقاية من ذلك الحوض الكبير الذي أقامته سيدته صاحبة الأرض والجاه والثراء ، وريثة ذلك القصر وربة ذلك الحسن الذي يصرخ من ضحكاتها الحلوة العابثة فتنة والتهابا ..إن (خضرا) اليوم في دوامة تأخذ عليه عقله وقلبه وحسه وكل حياته .. فهو يذكر أول يوم عندما نزح إلى القرية لكي يعمل مع الأجراء من عمال الأرض فالتقته (نورا) من بين عشرات النازحين واختارته لكي يشرف على حديقتها الخاصة الملحقة بالقصر بأجر مغر قدره خمسة جنيهات كاملة .وهو يذكر أيضا أنها لم تسأله عن سابق علمه بالعمل في الحدائق ، وإنما سألته عن نفسه وسماته التي وصفتها بأنها تدل على النبل وعن قوامه الذي أعجبها أيما إعجاب وعن ... وعن .. ولما أن ارتدت عيناه خجلا وأحمر وجهه وأراد أن يجيب لم يجد إلا تمتة وهمهمة ردت عليها نورا بتلك الضحكة الحلوة العابثة وهى تربت على كتفيه وكأنما سعدت بذلك الخجل وتلك التمتمة ....
وهو يذكر أيضا أنها لم تكتف بذلك وإنما أخذته من يده وقادته إلى الحجرة المخصصة له في طرف الحديقة وأرشدته إلى ما فيها من امتيازات لم يألفها بل ولم تداعب خياله قط وهو الذي لم يعرف إلا تلك الدار المتواضعة التي نزح منها ... وكأنما أرادت أن تذهب ما بقى بلبه من رشاد فأمرت الخدم بإعادة تنظيفها وترتيبها من جديد ..
"عشانك يا خضر
 ...."
لقد أمعنت نورا في العبث بفطرة ذلك الفتى الساذج إلى حد أذهلته عن أمسه
 وحاضره وكيانه في مستقبل الأيام إنه ليسأل نفسه وهو يقبض بيديه على حديد السور يرقب موكب السقاية ألف سؤال وسؤال ... لماذا تناديه (نورا) في مناسبة وفى غير مناسبة لتروى له طرفا من حياتها في المدينة وكيف أن الكثيرين من أهل الثراء يتوددون إليها طامعين في مالها وجمالها وفى مجالسها وكيف أنها تضن بقلبها أن يعبث به الطامعون وأنها لن تسلم قلبها وأموالها إلا لمن تشعر أنه يريدها لشخصها حتى ولو كان أحد عمال أرضها الأجراء ....
وذلك الذي حدث يوم أن كان يقلم أشجار الورد في الحديقة ولم يكن له بهذا
 الفن سابق علم فكان أن نفذت شوكة طويلة في راحة يده وتصادف أن (نورا) كانت تمر بالقرب منه فهالها أن ترى الدماء تنزف منه وأخذته مسرعة إلى جناحها الخاص حيث أجرت له الضمادات وكانت ذراعه عارية إلا من قميص مهلهل فأخذته (نورا) بعد أن أسعفته تمسح بيديها على عضلاته وفى عينيها بريق عجيب لم يكن ليراه طيلة حياته فقد عودته النسوة في القرية ألا يرى بريق عيونهن من فرط الخجل أو من فرط استحيائهن ..
لقد لمست بيديها بلطف أول الأمر ثم بعنف وهى تقترب منه لتغسل له الجرح
 فأدمت طهارته وروحه بتلك الأنفاس الحارة التي انبعثت منها مختلطة بذلك العطر القوى الذي شل من فتانا كل حراك وعندما قام لينصرف وهو يشكر لها صنيعها في كلمات لاهثة منقطعة ويقبل يدها ما راعه إلا أن همست في أذنه بصوت حالم انبطح بعنف على وجدانه البريء : انتظرني يوم الخميس الجاى يا خضر .. سأرجع من مصر عشانك مخصوص .
هل كان وهمه يطلب صراحة أكثر من هذا ؟ وهل كان شيطان الشك يريد منها وعدا
 أفضل من هذا ؟ لا لم يعد هنا وهم ولا شك وإنما يقين يهز كيانه بأقوى مما يفعل الشك ، قد عاش يومين بعد هذا اللقاء محموما مخدرا في حلم اشتهى ألا يفيق منه كان يذكر اللقاء ليسترجعه وليردد قولها كلمة كلمة إن نبرات صوتها لا تزال تعيش في أذنيه واضحة شجية تطارده وهو ينام وتنسه وهو يعمل في خدمة حديقتها التي ينقض عليه فيها شهر بعد .
أيتها المشاعر البشرية بل أيتها العواطف الإنسانية لقد كان فكره في أيامه
 الأولى يدور حول الجنيهات الخمسة التي طالما منى نفسه بأنه سيتناولها متماسكة في ورقة واحدة كان يراها في أيدي تجار القطن وكانت أنامله تأكله ليملس عليها ويرفعها في احترام إلى شفتيه ليقبلها في لهف .. كم من ساعات انصرمت عليه وهو يحرك هذه الأنامل وكأنما تمر على صفحة تلك الورقة العريضة التي شاعت فيها الحمرة كما تشيع في وجنتي سيدته الرشيقة الباسمة دائما ... كان فكره يدور حول الجنيهات الخمسة في سذاجة وبراءة ولكنه أصبح اليوم ولا هم له أو لفكره ولا لخياله سوى سيدته نفسها .. سيدته وسيدته في الحل ..إن هواتف نفسه تتصارع بين رغبة جامحة طارئة وبين ما نشأت عليه فطرته الساذجة من اعتراف بالجميل ولكنها سيدته أيضا إنها هي التي شجعته فتشجعت غرائزه وهى التي كشفت بعطرها وأنفاسها عما كان يكتبه
إن (خضرا ) يعانى صراعا لم يكن في حسبانه بين ما حرم الله في كتابه وما
 أيقظته فيه سيدته من هواتف ..
ظل خضر في موقفه هذا على السور تائها شاردا ولم يحس أن القوم قد انصرفوا
 بأنعامهم عن الحوض الكبير وأن الليل قد زحف على القرية ولم يدر إلا والرجفة تأـخذه .. إن اليوم هو الخميس الذي واعدته عليه سيدته فلا بد أن يذهب ليعد نفسه للقاءها
وفى خطوات وئيدة توجه ( خضر ) إلى طرف الحديقة حيث يوجد مسكنه وما أن فتح
 غرفته حتى وقف كالمصعوق لقد وجد (نورا) في غلالة شفافة تلف جسمها وهى تفضحه .... وراعته المفاجأة فتسمر في مكانه و(نورا) تناديه : نادته بصوتها الذي سحره ونادته بضحكها الذي أذهله ونادته بذلك البريق الذي رآه في عينيها وهى تضمد جراحه .. ولكن (خضرا) ظل في في مكانه
وعصفت الرغبة ب (نورا) فأرسلت ضحكة عالية لم تكن كضحكاتها السابقة وإنما
 كان فيها صراخ الشيطان وألقت بجسدها بين أحضانه ... وصرخ الوحش في دماء (خضر) فلم يشعر إلا وهو يتلقف ذلك العود الفائر الدافىء بين ساعديه وأطبقهما في عنف وكأنما يريد أن يعتصر كل ما في العود .. وصرخت (نورا) من الألم . فارتد خضر في ذهول ليرى على الأرض حلية سقطت من صدر (نورا) بعد أن أدمته ..
ووسط ذلك الليل البهيم انشق الهدوء والسلام في طرقات القرية على صيحات
 (خضر) المذعورة وفى يده شيء يطبق عليه ... كان كتاب الله في حلية من ذهب !!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Bottom Ad