في كل يوم لمشاهدة التلفزيون بمركز شباب ميت ابو الكوم فلم يكن التلفزيون قد انتشر بالقرية لانه لم تكن هناك كهرباء في ذلك الوقت سوى المولد المركزي الذي كان يعمل ساعتين فقط عند اذان المغرب . ولم تكن المشكلة في عدم وجود الكهرباء في حد ذاتها لان الاهالي في كل قرى مصر كانوا معتادين استخدام لمبات الجاز وما يشابهها , انما كانت المشكلة وهو فى تلك السن عند العودة للمنزل يكون الظلام قد لامس ارضية الشوارع بحيث انه اذا لم تركز ومشيت ببطئ فربما تصطدم باحدهم هكذا قالها المدرس الظريف صاحب القصة.
لم يكن يمر على باله ان يتخلى عن مشاهدة التلفزيون وخصوصا مسلسل السابعة الذي كان يتابعه ويندمج معه فهو كان يذهب بعد العصر مباشرة وينتظر ان يتكرم المسئول ويقم بتشغيل المولد الكهربائي المركزي بالقرية حتى يستطيعوا تشغيل التلفزيون في مركز الشباب وعندما يؤذن للمغرب تبدأ الحرب الداخلية في نفسه الا ان التلفزيون كان يكسبها في كل يوم وفي كل مرة .
وبعد تفكير طويل لم يجد الا التوصل الى حل وكان هذا الحل الذي لاح امامه عندما مر امام دكان الحاج فاروق قصالي رحمه الله فرآى كشاف معلق خلف الرجل فسأله بكم هذا الكشاف يا عم فاروق ؟ اجابة الرجل بان سعره 40 قرشا بدون البطاريات وسعر البطاريات 10 قروش
اذا الحل يتمثل في 50 قرشا وتنتهي المعضلة فبهذا الكشاف انير طريقي عند العودة للمنزل ولا اقلق من شيء مما يعطيني الفرصة ايضا للاستمتاع بالتلفزيون اطول فترة ممكنة
كان مصروف بطلنا اليومي وهو في المدرسة الابتدائية قرش صاغ في اليوم .
فامسك عقله وربط الحزام على بطنه وانتوى توفير المبلغ من مصروفه . فبقي 35 يوما ممتنعا عن صرف القرش صاغ واصبح معه 35 قرشا كاملا .
حتى جاءات الفاجعة ورأتهم امه معه فاخذتهم منه ودمرت الحلم في ثوان , ليفقد الامل نهائيا وبعد ان كان في كل يوم ينظر على الكشاف في دكان الحاج فاروق عند العودة من المدرسة اصبح يشيح بنظره بعيدا حتى لا يراه او تقع عينه عليه .
مرت عدة ايام قليلة وجاء احد مدرسيهم ليعلن عن مسابقة لحفظ القرأن الكريم تنظمه الادارة التعليمية بتلا على مستوى المركز ولانه كان حافظا لسبعة اجزاء كاملة من القرأن فتقدم هو واثنين من اصدقائه الذين كان يرتادون الكتاب معه ويحفظون مثل ما يحفظه .
وذهبوا الى المسابقة وقرأوا ما يحفظونه امام لجنة الاستماع وفي نهاية المسابقة تم الاعلان انهم الثلاثة قد حصلوا على جوائز مالية تقديرا لحفظ القرأن ثم عادوا الى القرية وتخيل هو انه سيتسلم الجائزة المقدرة ب2.5 جنيه في ثاني يوم وبات يحلم بامتلاكه للكشاف الذي سينير له طريق التلفزيون ولكن للاسف مرت يوم واثنان وشهر ونصف كامل لدرجة انه عاد باحلامه الى ارض الواقع مرة اخرى ونسي انه في يوم سيمتلك هذا الكشاف .
الا انه بعد مرور شهر ونصف وجد ناظر المدرسة يرسل في طلبه هو واصدقاءه للحضور في مكتبه فهرعوا الثلاثة تحت يد الحاج عبد السلام يسيرون في طابور عسكري تنتظم خطواته بكلمات الحاج عبد السلام يمين شمال حتى وصلوا امام البهو العسكري للناظر فمنطقة مكتب الناظر كانت تعامل كمنطقة عسكرية ممنوع الاقتراب منها او حتى استراق النظر
ثم اخبرهم انهم الثلاثة قد حصلوا على مكأفات مالية لكل منهم تقدر ب 2.5 جنيه لكل منهم فصرخت السعادة في قلبه وانتفضت دقاته تتراقص
حصلت هلى الكشاف والبطاريات وساستمتع بمصروف سخي لايام وباقي المبلغ اورده ليد امي في سعادة صلاح الدين الايوبي عند استعادة القدس
ولكن للاسف جاءت كلمات السيد الناظر كسيف الصليبين على اذنه الصغيرة عندما قال الناظر
فلترى يا حاج عبد السلام هم الاولاد دول دفعوا المصاريف ولا لسه ؟
فتح الحاج عبد السلام الدفتر ليقل لا لم يدفع احد من الثلاثة المصاريف !
اذا فلترى كم عليهم ؟
دقق الحاج عبد السلام في الدفتر ليقل
مطلوب من كل تلميذ منهم 2.75 قرش
وهنا تلون وجه بطلنا وهربت الدماء جريا الى القلب تختبئ من هول الصدمة الرهيبة قائلا لنفسه اذا لن نحصل على شيء
قال الناظر بصوته العميق وبدلته الزرقاء وهو يهز خرزانته .
المفروض ان لكم عندنا 2.5 جنيه ولكن عليكم كمصروفات 2.75 جنيه فسنتجاوز عن الربع جنيه وهنيئا لكم بدفع المصروفات .. انتباه لليمين در على الفصل معتدل مرش .
يمين شمال . يمين شمال
وضاع الحلم الى الابد وحتى يومنا هذا لم يشتري بطلنا الكشاف ولا البطاريات .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق